رياح التغيير

المتأمل في برنامج يوم كامل على الكرة الأرضية سيجد أن التغيير جزء لا يتجزء من طبيعة هذا الكون، إنه سنة كونية نراه في تعاقب الليل والنهار وفي الفصول الأربعة، وفي أحوال الأمم والناس عبر الأزمان “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”.

وفي العلم الحديث يعرف (جون كوتر) أحد خبراء الإدارة، إدارة التغيير على أنها منهج للاستفادة من البنى والأدوات الأساسية للسيطرة والتحكم على أي جهد في التغيير التنظيمي. ويؤكد أن التغيير يسهل ويتم عن طريق معرفة عناصر مقاومة التغيير وكيفية التعامل معها وأن التغيير عبارة عن قيادة تتم عبر مراحل ثمان تعتبر حاليا هي الأهم والأكثر فاعلية لنجاح التغيير.

وبين هذا وذاك فإن مجمل جهد التغيير واستعداديته مرتبط بثقافة الإنسان وتحديدا بما يتمسك به من مبادئ وقيم تشكلت غالبا من مثلث محوري جوهري هو الأسرة والمجتمع والمواقف المؤثرة. قد ينشد البعض التغيير لنفسه أو لشخص آخر أو لمجتمعه ولا ينجح! لماذا؟ لأن الكثير لايدرك أن العمل بالتغيير وأدواته يختلف باختلاف طبيعة الشخص أو المجتمع ولا يصح استخدام ذات الطريقة والأدوات مع مختلف الأشخاص أو المجتمعات. إن التغيير بطبيعة الحال فلسفة فكرية بحته تحتاج إلى وعي كامل بمفاهيمه وطرقه وأدواته بعد دراسة المستهدف بالتغيير شخصا كان أو مجتمعا، وخذ على سبيل المثال الرسل والأنبياء، جاؤوا لفرض التغيير الإيجابي ربما لنفس الرسالة ولكن الطرق والأدوات تختلف اختلافا شبه كلي بحسب طبيعة وخصائص مجتمعاتهم؛ وتأمل وقت اعلان الرسالة وطريقتها والظروف المهيئة لها وطرق التعامل معها كلها تثبت ذلك.

مرحلة مقاومة التغيير مرحلة طبيعية من المهم جدا معرفة كيفية التعامل معها وإدارتها من حيث أن افرازاتها أو ردات فعلها تتشكل بحسب مستوى الوعي لدى الفرد، فتجدها عند البعض على شكل مخاوف تدفعه إلى الهروب أو تجاهل التغيير، أو بالتمسك اللإرادي بمنطقة الراحة جراء التعود والتكيف كتلك سلسلة الفيل، أو بشن حرب ضد التغيير رغم ايجابيته لارتباطة غالبا بمصالح شخصية ليست مضمونة بعد التغيير كزوال السلطة أو الغنى.

يقول احد الفلاسفه: ” وراء كل جدار من الخوف يكمن كنز عظيم”، وكم أبدع في قوله، فقد اختصر التغيير في أمرين اثنين مهمين هو الإقدام والتفاؤل الحسن. إن حاجتنا للتغيير تحكمها تلك جدران المخاوف، وكم نحتاج فعلا إلى مطرقة الإقدام ومعول التفاؤل لكسر تلك الجدران للحصول على ذلك الكنز ألا وهو التغيير للأفضل.

يقول بيل جيتس: “رسبت في بعض المواد في الجامعه بينما صديقي نجح في تخطيها، صديقي الآن مهندس في شركة مايكروسفت بينما أنا أملك هذه الشركة”. كم كبير من الدروس في كلماته وبعض من الوجع أيضا يشعر به كل من يخشى التغيير. عندما قرر (بيل غيتس) ترك جامعة هارفارد آنذاك كان قرارا شيطانيا متهورا عند البعض وسيسير به حتما إلى طريق الضياع، هؤلاء البعض هم من تكبلهم المخاوف ويحاولون أيضا دون وعي منهم تكبيل الآخرين بها ظنا منهم أنهم يمارسون النصيحة والمشاركة بخطة إنقاذ. وحده (بيل) من حطم سوار المخاوف وجدرانها واثقا بقدراته ومتفائلا بحسن صنيعة وجراء ذلك حصل على كنز عظيم عبارة عن نجاح باهر هو الأفضل والأميز من نوعه على وجه الكرة الأرضية.

“أديب” شاب لم يكن يملك أي اعتبار في مجتمعه حتى اطلق عليه البعض بالغبي. قرر التغيير بأن يسافر إلى أمريكا ويبحث عن كنزه الحقيقي؛ نفسه وقدراته. كم كبير من المخاوف أحاطت به لايملك المال الكافي، لايعرف أحدا هناك، لايعرف لغتهم، لايحسن أي عمل، وعصفت به التحديات أيضا أن لم يوافق على رحيله أهله وخاصة أبوه فأعادة بعد عدة أشهر إلى البلاد رغما عنه. كبرت جدران الخوف والتحديات تجاه التغيير الذي ينشده “أديب” وكبر معها إقدامه وإصراره مما عزز فيه ثقة نفسه فرفض الرضوخ للعواطف وقرر السفر والعودة إلى حيث بدأ في أمريكا. عانى الكثير والكثير في بداياته وكان يسليه أنه متفائل وسيجد نفسه وينجح رغم كثير من زرعوا في قلبه الإحباط والفشل. تيسرت أموره وعمل مخلصا في احد مكاتب المحاماة ثم أحسن العمل فاصبح مساعدا للمحامي ثم رزق بمن يؤمن بقدراته فشجعه وشد من أزره بان يكمل دراسته في تخصص المحاماة في أحد المعاهد ولم يكن أبدا يحلم بذلك ولقد آلامه كثيرا إيمان الغريب به وإنكار القريب له وأولهم أهله وأبوه. تخرج من المعهد في تخصص المحاماه استلم قضية مهمة ونجح في حلها فنال شهره جيدة، ثم توالت عليه القضايا إلى أن فتحت له أبواب الرزق الوفير فهو يمتلك الآن العديد من مكاتب المحاماة حول العالم ويقصدة لحل قضاياهم المشاهير وأصحاب النفوذ. أصبح “اديب” شخصية هامة وبارزة جدا طأطأت له رؤوس من كانوا يصفونه سابقا بالغبي.

التغيير نوع من أنواع التحدي حتما ستكسب رهانه إن أقبلت على نفسك فقط ودعمتها بالإقدام والإصرار والفأل الحسن متجاهلا تماما أصوات الغارقين في مخاوفهم فهم العوائق الحقيقية تجاه نجاحاتك وكنزك وقد يكونون من أقرب الأقربين.

ع.س

ردك مهم،، فلا ترحل دون ترك بصمة