علي السنني “الأيوب”

الأرض تبكي بعض موتاها، كيف لا وقد قضوا حياتهم يمشون عليها هونا وينشرون من الحب والسلام كثيره خوفاً من الله وأمنا. ثلاثٌ وستون عاما قضاها “أيوبُ الطرف” الشيخ السُنني في نشر الحب والخير في مجتمعة؛ بدءاً بالتعليم في المدرسة وانتهاءً بمنبر الجامع الذي طالما احتضنه يبكي تارة بُعدَ الناس وتقصيرهم في حق الله، ويتألم تارة من وجع الناس وظلمهم لبعضهم البعض، يحمل قلبا مليئاً بالسلام شملِ بعدله وحبه الكثير من الأنام.

مجتمعٌ صالحٌ كبير تمثل في صورة رجلٌ واحدٍ صالح؛ إنه الشيخ علي بن صالح السنني رحمه الله إمام وخطيب جامع السنني بالطرف الذي توفاه الله فجر أمسٍ الخميس على سرير المرض بعد أن جاهد فيه صابراً محتسبا أيوبا، ولم يُعلم عنه حين سؤاله عن مرضه إلا كلمات: “الحمدلله أنا اليوم أحسن من أمس” وهو في الحقيقة غير ذلك ولكنه يُعبر بتلك الكلمات صبرا واحتسابا وإشارة إلى قربه للقاء الله الرحمن الرحيم به.

لقد تمثل الشيخ السنني في علمه وعمله طيلة حياته بالرجل السمت ذو الخلق الرفيع الذي لم تفارقه ابتسامته أبدا حتى في مماته، وقد عُرف عنه برّهُ بأبويه نِعم البر وبمجتمعه أيضا بأن سخر نفسه لإصلاح الناس والتوفيق بينهم فكان كالسد المنيع لأسرٍ كانت ستُهدم وكالحصن المنيع لمجتمعٍ كاد من التقصير أن يُثلم. كان عضواً فاعلاً في العديد من هيئات ومؤسسات القرآن والسنة، ولم يكلّ يوماً أويملّ في المناصحة الصادقة للصغير والكبير والمسؤول وولي الأمر إيماناً منه بالمسؤولية تجاه مجتمعه ووطنه.

واحدٌ وثلاثون عاما قضاها كمعلمٍ محبوب في المدرسة ولم يُعهد عنه كما حدّث عن نفسه أن ضرب طالبا أو حتى نهره أو زجره، كالسحابة الخير يسقي الجميع بهتان حنانه وعطفه، وكالنهر الزلال يفيض بخيره على الضعيف والمسكين وابن السبيل، وأحبه الله لذلك فكُتب له القبول فأحبه الناس وبكو فراقه كما بكته أرض مسجده التي طالما سجد عليها طيلة سبعٍ وعشرين عاما لم تفته فيها صلاة الفجر إلا لعارضٍ أو مرض.

وكأيوب عليه السلام، أبتُليَ الشيخ علي السنني بالعديد من الأمراض فواجهها بسلاح الحمد والشكر والصبر حتى أن بعض مرضه لم يحدث به أحداً حتى أولاده وما علموه إلا بعد أن أعياه التعب واستوجب مساعدتهم. رجلٌ صابرٌ محتسبٌ كهذا لم يفارق رغم مرضه نُصح الناس وتوجيههم واستقبال همومهم وأوجاعهم، لقد كان يستشفي بدعوة خالقه ثم بإصلاحه للناس إيمانا منه كبير أن “الجزاء من جنس العمل” فأوفاه الله وصدقه وعده وشافاه من مرض بعد مرض.

مثل هؤلاء الرجال تبيكهم الناس والأرض، ومثلهم يستعجلُ الله لقائهم فهنيئا للشيخ علي بن صالح السنني لقاءه الله، ونسأله عز وجل أن يرحمه ويسكنه فسيح جناته.

ردك مهم،، فلا ترحل دون ترك بصمة