واتس.أب وخفايا فيسبوك

في صفقة أخيرة فلكية تعد الأكبر من نوعها في عالم الإنترنت وتحديدا في برامج التواصل الإجتماعي، أنفقت فيسبوك مايقدر ب 19 مليار دولار للإستحواذ على تطبيق المحادثات الفورية (واتس.أب). وقد أثارت هذه الصفقة الضخمة ضجة عارمة في جميع الأوساط حيث أثارت استغراب ودهشة العديد من المستخدمين ومختصي الأمن المعلوماتي في أمرين أثنين وهما: هل يستحق (واتس.أب) كل هذا المبلغ؟ ولماذا يدفع له هذا المبلغ؟
مارك زوكربيرغ؛ المديرا التنفيذي لفيسبوك وأثناء حضوره لـ مؤتمر الجوال العالمي الذي عُقد مؤخرا في مدينة برشلونة الأسبانية، رد على هذه التساؤلات بقوله: ” إنه الأنسب لنا، وهو يستحق أكثر من ذلك”. وذكر أيضا في تعليقه أن تطبيق(واتس.أب) يستخدمه قرابة النصف مليار مستخدم ويحقق نموا كبيرا جدا في المستخدمين وفي طريقة لمليار مستخدم مايؤهله لأن يكون من القلة القليلة جدا من الخدمات في العالم التي يمكن أن تصل إلى هذا المستوى، وهذا مايجعل قيمتها عالية بشكل لايصدقه البعض.

واتس.أب وإعجاب مليئ بالمخاوف:

وجود عدد ضخم من المستخدمين لـ (واتس.أب) يقارب النصف مليار هو إجماع على الإعجاب بهذا التطبيق، إلا أن مخاوفا كبيرة أرتبطت بهذا الإعجاب بعد الأستحواذ عليه من فيسبوك، وقد تضاعف هذه المخاوف وبشكل كبير بعد أن خرج بعض المختصين في أمن المعلومات ليؤكد زوال جدار الخصوية بسبب سياسية الفيسبوك الرامية إلى التعاون مع الحكومات لكشف بعض الخصوصيات حين الحاجة.
هذه المخاوف تدخل ضمن “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد” إذ يسيل معها لعاب الشركات المنافسة لفتح أبوابها لاستقبال المستخدمين المهاجرين من خلال زيادة التسويق لمنتجها أو بالترويج للشعائات لزيادة المخاوف وبذلك زيادة مؤشر الهجرة من الغريم التقليدي لها. وفي مثل هذه الظروف التي أرتبطت بمخاوف سابقة متعلقه بالفيسبوك وربطت بـ (واتس.أب) بعد الاستحواذ، استغلت بعض الشركات المنافسة هذا الوقت للترويج لتطبيقها من خلال (دس السم في العسل) إذ ذُيلت بعض الأخبار والشائعات لانتهاك خصوصية (واتس.أب) توصيات باستخدام برامج أخرى تعد الأفضل أمنيا، وفعلاً زاد عدد المستخدمين في بعض برامج المنافسين لـ (واتس.أب) كـ (لاين) و (تلغرام) بشكل غير متوقع على الإطلاق ليفاجئ المستخدمون في بعض البرامج التي توجهوا لها، بعدم وجود الخصوصية التي يريدونها ليستمر معها مسلسل الإنتقال بين هذا وذاك متتبعين في تنقلاتهم الأخبار والشائعات مما حدا ببعض المستخدمين الذي قرروا هجر (واتس.أب) إلى الإستسلام والعودة إليه بعد أن رفعوا حاجز الخصوصية الشخصي بعدم تداول الأشياء الخاصة والإكتفاء بالدردشة الكتابية.

الهجرة من (واتس.أب) إلى (تلغرام):

شهدت الأيام السابقة التي رافقها جدلٌ واسع حيال صفقة فيسبوك الكبرى، هجرةً جماعية إلى تطبيقات أخرى منافسة كان أبرزها (تلغرام) الشبيه إلى حد كبير بغريمه (واتس.أب). ورغم أن البعض يؤكد على وجود علاقة مريبة بين التطبيقين سواء بأن المطور هو شخص واحد يسعى للهيمنة، أو بوجود منافسة شرسة شبه رأسمالية على حساب مشاعر المستخدمين لمثل هذه التطبيقات، إلا أن الأيام القليلة الماضية كشفت عن تسجيل أكثر من مليوني مستخدم في تطبيق (تلغرام) معضمهم من العرب وتحديدا دول الخليج، ويعود ذلك لما روج له عن أن هذا البرنامج أكثر أمانا وخصوصية.
الجدير بالذكر أن تطبيق (تلغرام) الذي تعود ملكيته لـ الأخوين الروسيين (نيكولا ديروف) حاصل على دكتوراه في الرياضيات، و (بافيل ديروف) المدير التنفيذي لشبكة (في كونتاكت)، وقد تعهدا في (تلغرام) بتقديم خدمات لامثيل لها في الأمان والخصوصية بحيث أن مطوري التطبيق يؤكدون على أنه لايمكن لأجهزة الأمن والمباحث التجسس على المحادثات إلا بإذن مالكي التطبيق وهو مالايدخل في سياسية المالكين بل ويتوعدون كل من يحاول ذلك من الحكومات أو اجهزة المباحث بسحب الخادم من دولهم.

حقيقة الإستخدام والتجسس:

تُصنف الأغراض والإهتمامات الشخصية جزءا من الحريات، لذلك فإن أي انتهاكٍ لمثل هذه الحرية يُعد خطراً كبيراً وغير مقبول إطلاقا عند الكثير من الناس. في الحقيقة وبالنظر إلى الأنظمة والقوانين، فإن أمر الخصوصية في برامج التواصل الجماعي تخضع إلى ثلاثة أمور هامة يجهلها أغلب المستخدمين لعدم اطلاعهم وبشكل محدد على تفاصيل اتفاقية الإشتراك ومنه تحميل التطبيقات.

الأمر الأول: ” لقد وافقت على شروطنا فالحق معنا ”

عند تحميل أي تطبيق أو اعادة تحديثة تخرج صفحة خاصة بالشروط، فهل قرأتها قبل الموافقة؟
أغلب المستخدمين لا يضيع وقتا في قرائتها أو الإطلاع عليها، لذلك يعمد كثير من مالكي التطبيقات لوضع كمية كبيرة من المعلومات بحيث يستوحي معها المستخدم صعوبة قراتها ليقارنها بموقت التحميل الذي لايتعدى الثواني، فيهمل وبشكل مقصود قراءة تلك الشروط التي أخذ فيها سياسية (دس السم في العسل).
فحين قراءة تفاصيل بعض الشروط ستجد في أكثير التطبيقات وخاصة المشهورة، الإشتراط بإجراء مسح كامل على قائمة المتصلين وأرشيف الجهاز وفي بعض الأحيان ذاكرته.
هل هذا معقول؟
نعم معقول وبإمكان أي قارئ لهذا الموضوع محاولة حذف أي تطبيقٍ في جهازة شريطة أن يكون مشهورا، ويحاول بعد ذلك إعادة تحميلة وقبل الموافقة قراءة كافة تفاصيل الشروط ليكتشف معها ما سيجعله يتردد في تحميل التطبيق. الأهم من ذلك: أنك حين توافق على ذلك فلهم الحق فعل ما اشتروطه وليس لك الحق في الإعتراض أو رفع شكوى لأنك وبكل بساطة وافقت على الشروط وشكرا.

الأمر الثاني: ” أثارة المشاكل دعوة للتجسس ”
كونك مشبوها، أو التورط مع أشخاص أو منظمات مشبوهه كالإرهابيين أو القاعدة، سيجعلك حتما عرضة للمراقبة والتجسس من قبل المباحث المحلية أو الدولية وهذا ماسيحفز مالكي المواقع الإجتماعية للتعاون مع أجهزة المراقبة والمباحث وربما المبادرة برفع أسمك للسلطات.

الأمر الثالث: ” العالم الإفتراضي مختلف عن الواقعي ”
أغلب مستخدمي مواقع التواصل في الإنترنت يتعاملون معه وفيه بفرضية أن عالم واقعي فيكون مستوى وطريقة تواصلهم مشابهة إلى حد ما إلى الواقع لتوفر الصوت والصوره. ورغم عدم توفر هذه الحاستين في برامج التواصل التي تعتمد لغة الكتابة للتواصل كـ (واتس.أب) إلا أن نشاط المستخدمين فيها مقارب للواقع ويستخدمون الصور الرمزية للتعبير عن حالتهم الواقعة. وفي كثير من الأحيان يرسل المستخدمون مالايعبر عنهم فعلا وإنما هو رمزيات لما يتمنونه أو يتصنعونه يستعرضها المتلقي ويفسرها بحسب كيفية قراءته لها والتي يحكمها أيضا حاله الذهن الواقعية للمتلقي.

مالذي تريدة فيسبوك من استيلائها على أشهر برامج التواصل (من وجهة نظر المحرر):
استولت فيسبوك في عام 2012 على تطبيق (انستغرام) بمبلغ (1) مليار دولار، وفي أقل من سنتين وقبل أيامٍ قلائل أستولت أيضا على تطبيق (واتس.أب)، وربما الأغلبية يتسائل مالذي تسعى إليه إدارة فيسبوك من خلال هذه الصفقات الضخمة والتاريخية؟

يفسر البعض من المختصين التقنيين أن هذا الأمر عائد إلى حمى المنافسة ورغبتها في التوسع والهيمنة وكبح جماح المنافسين من التقدم عليها بما يسمى بـ (السلطوية). أما المحللون السياسيون فقرائتهم للأمر مختلفة تماما فهم يؤكدون على أن مثل هذه الصفقات مدبره وتسعى إلى امتلاك حريات الناس والمجتمعات ومنها (خصوصياتهم) الأمر الذي يعد جزءا من بسط السلطة بمساعدة من العالم الإفتراضي؛ الإنترنت.
وهناك رأي آخر تماما قليلا ماتم تداوله وعرضه ويوافقه المحللون والمختصون الإجتماعيون وعلماء الإنسان؛ وهو أن الشبكات الإجتماعية تضج بالعديد من المعلومات القيمة جدا عن الناس والمجتمعات الذي يمكن دراستها وتحليلها ومن خلال ذلك فهم طبيعة تلك المجتمعات والناس وبالتالي إمكانية التحكم بتلك المجتمعات سواء بالتوجيه الفكري أو السياسي أو حتى الإقتصادي. هذا الأمر يؤكده علم البرمجة اللغوية العصبية، ويؤكده أيضا خبراء علوم الإنسان -أغلبهم أجانب يهود – من خلال دراسات أكدت أن معرفة اهتمامات الإنسان تفصيلياً يمكن استغلالها لتغيير مبادئه وقناعاته وبشكل أسهل مما يتصوره البعض.

دعوة للتأمل والفهم:
كان السياسيون في السابق من الدول العضمى ولفهم بعض مجتمعات الدول الأخرى وخاصة المنافسة، يبذلون الغالي والنفيس سواء بتجنيد الجواسيس أو رشوة العملاء، مستغرقين في ذلك وقتا طويلا للحصول على معلومات صحيحة موثوقة تساعدهم في فهم تلك المجتمعات ومن ثم محاولة الإستيلاء على تلك الدولة بالإستيلاء على عقول الناس تحديدا.
الإستيلاء على أكبر عدد من المعلومات عن الناس والمجتمعات يعد أمرا صعبا جدا في السابق، ولكن الآن ومع تطور وسائل التواصل الحديثة توازيا مع تطور مستوى وطرق البحوق والدراسات، فإن المعلومات التي تمتلكها وسائل التواصل الإجتماعي؛ تحديدا الموصوفة بالخصوصية والأمان، تعتبر معلومات قيمة جدا جدا لما فيها من مصداقية وموثوقية عالية بحكم تعامل المستخدمين معها على أنها خاصة وآمنه لذا فإنهم يتكلمون فيها غالبا كما يتكلمون في الواقع. وبالتالي فإن الحصول على مثل هذه المعلومات ولأكبر عدد ممكن من الناس وفي وقت قصير جدا يعتبر شيئا أشبة بالإعجاز، فحين استخدام مثل هذه المعلومات لتحليلها فإنه من الممكن فعلا أن يتم تحديد اهتمامات المجتمعات الفكرية والحياتية وبالتالي إمكانية توجيهها إلى ما يمكن تسميته بـ “المصلحة الخاصة”.

ولفهم ذلك بشكل أكبر فلنأخذ على سبيل المثال هذا الموقف:

شاب أمريكي عاش في مجتمع عربيٍ ما مدة كافية ليفهم اهتماماتهم وطريقة تفكيرهم، فتبين له أن أغلب الشباب يهتمون بشكل كبير بكرة القدم وأفلام الأكشن. بعد عدة سنوات عمل هذا الشاب في قناة تلفزيونية أجنبية تشتكي ضعف المشاهدين خصوصا في العالم العربي. قرر هذا الشاب مشاركة المدير التنفيذي للقناة ببعض مايعرفه عن اهتمامات الشباب في العالم العربي ونصح بتغيير برامج العرض إلى أفلام الأكشن وأيضا التركيز على كرة القدم. توجه المديرا لتنفيذي لأخذ خطوة غير مسبوقة وذلك بشراء حقوق لعرض مبارات كرة القدم وأخرى لعرض أفلام الأكشن الحديثة في صفقة تقدر بالملايين كادت أن تسبب في إفلاس القناة. بعد سنوات قليلة ارتفع عدد المشاهدين من العالم العربي بشكل كبير جدا تضاعفت معه أرباح القناة بارتفاع سهمها في السوق فحققت تعويضا لتلك الصفقة يقدر بـ خمسة أضعاف.

الشركات المصنعة والتسويقية الكبرى تبحث فعلا عن معلومات قيمة كتلك الموجودة في المواقع الإجتماعية، فهي تساعدها على فهم احتياجات ورغبات الناس هناك وبالتالي تصنيع مايرغبونه فعلا لتتضاعف معه كمية الشراء لتحقيق أرباح كبيرة لتلك الشركات.

فيسبوك .. وبشكل غير مباشر صرحت وبشكل غير مباشر أيضا أنها تتعاون مع الآخرين أصحاب المصالح للإفصاح عن بعض المعلومات في مواقعها ولايكون ذلك إلا بدفع مبالغ كبيرة مقابل الإفاصح عنها وهو ماقد تجازف بدفعها شركة ما ولكن وبعد تحليل تلك المعلومات واستخدامها في التصنيع أو التسويق فإن قيمة الأرباح الكبيرة ستغطي فعلا تلك المبالغ المدفوعة.

بغض النظر عن أن فيسبوك تتعاون لتسريب بعض معلومات مستخدمي مواقعها لوكالات الإستخبارات أو غيرها، فإنني أجزم –بالنظر إلى بعض تعاملاتها- أنها تنتهج هذه السياسية لأجل توسيع أمبراطوريتها في عالم الأنترنت بالسعي الحثيث إلى السيطرة على المنافسين وامتلاك أكبر حصص في العالم الإفتراضي “الانترنت” الذي يُعد أحد أقوى روابط التواصل بين الأفراد والمجتمعات الذي من خلاله يمكن التأثير على توجه وتفكير الناس سواء تجاه مناهج معينة أو منافع اقتصادية رأس مالية، وهذا مالا يريدة سادة وسياسيوا (الولايات المتحدة الأمريكية) لذلك هم يقدمون الدعم الكامل لأصحاب النفوذ الأمريكيين في عالم الانترنت سواء كان دعما ماليا كـ (19 مليار) أو دعما سياسيا يقتضي تشويه سمعه المنافسين أو ربما المساهمة في اسقاط رؤساء دولهم.

خف علينا يا (عضو الكونجرس):
السؤال المتداول الآن بين كثير من مستخدمي (واتس.أب) و (فيسبوك)، خصوصيتي معرضه للتجسس فهل استمر في استخدامها أم الغي حساباتي؟
في الحقيقية إن كنت واحدا من أعضاء الكونجرس الأمريكي أو سياسيا معروفا أو أحد المشبوهين أو المتورطين فقد يكون محتملا تعرض حساباتك للمراقبة أو التجسس.!! ولكن
طالما كنت مواطناً عاديا بعيدا عن الشبهات فلا يجب أن يكون ذلك موضع قلق لديك وبإمكانك استخدام مثل هذه المواقع والبرامج بكل أريحية.

… هذا الخوف من بعض الناس الذي يتبعه ارتفاع مخاوف كثير من الناس، ليس له مبرر إطلاقا، وأرى أنه من سلسلة (مع الخيل ياشقره) وجريا وراء (من خاف سِلم).
ياعالم… كيف الحال.

ردك مهم،، فلا ترحل دون ترك بصمة